شكل العنف المدرسي نسبة 35.8% من جملة المشاكل السلوكية بين طلاب المدارس التي أضحت ظاهرة تتفاقم مع الأيام الى مشاهد العنف التي تبثها وسائط الإعلام التي تدخل البيوت من غير استئذان. لقد أصبح من النادر أن تسأل مدرسا عن أحوال أو ظروف تدريسه حتى يبادرك بشكواه من سلوك الطلاب، والنتيجة رغبة في الفرار الى أي عمل آخر خارج دائرة التربية والتعليم
رعبا من عقاب طلاب المدارس للمدرسين سواء داخل القاعات وباحات المدرسة أو خارجها أي في الشارع أو الحي أو الحارة.
وأمام هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت في التنامي في المدارس أجريت دراسات عدة أكدت معظمها زيادة معدلات العنف المدرسي، ففي دراسة عن المشكلات السلوكية لدي طلاب المراحل التعليمية المختلفة اتضح أن السلوك العدواني (العنف) يمثل نسبة عالية بلغت 35.8% من بين المشكلات السلوكية الأخرى.
ويقول أحد الأخصائيين في علم النفس عن هذه الظاهرة: ان ظاهرة العنف المدرسي عالمية وليست مقصورة على بلد معين وهي ظاهرة معقدة وتدخل فيها عدة عناصر وأسباب منها اجتماعية واقتصادية وسياسية وأسباب عائدة الى نظام التعليم وأنظمة التحفيز (الترهيب ـ الترغيب) وأنظمة التقييم والبيئة المدرسية الى جانب الخلفية العائلية للطلبة والمدرسين والطاقم التعليمي والعملية الإدارية للمدارس.
وقسم العنف الى نوعين: أولهما الإيذاء الجسدي الذي ينجم عنه إصابة أو إعاقة أو موت باستخدام الأيدي أو الأدوات الحادة لتحقيق هدف لا يستطيع المعتدي تحقيقه بالحوار، ثم الإيذاء الكلامي، وهو استخدام كلمات وألفاظ نابية تسبب إحباطا عند الطرف الآخر بحيث تؤدي إلى مشاكل نفسية.
وقسمت الدراسة العنف الى عنف من المدرس تجاه الطالب، وعنف من الطلاب تجاه المدرسين وهو ما يحدث في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم عنف بين الطلاب أنفسهم، أما أكثرها انتشارا هو العنف من الطلاب تجاه المدرسين.
وفي محاولة للوصول والى الوقوف على أسباب العنف استطلعنا آراء بعض الطلاب، فأبدى البعض عدم رغبته في مواصلة الدراسة، وأنهم يرغبون في ترك المدرسة في أقرب وقت ممكن، وأكدوا أن الشغب الذي يقومون به هو ردة فعل عفوية على العنف الذي يمارسه الآباء في إكراههم على الذهاب إلى المدرسة ومتابعة الدراسة.
البعض الآخر قال ان المدرس نفسه هو مصدر العنف، فالقصور العلمي الذي يظهر به المدرس يشكل دافعا لديهم نحو الشغب والفوضى لملء وقت الدرس الذي يبدو مملا إلى درجة يفضلون عندها ممارسة الشغب على الاستماع أو الإصغاء للمدرس.
في هذا الاتجاه قالت طالبة في إحدى المدارس الخاصة، ان اليوم الدراسي ممل جدا، وطريقة تدريس المعلمات تقليدية وغير مشجعة على الفهم، فمعظمهن مثل الماكينات، تدخل لتفرغ ما عندها وتخرج، لذا نقوم أنا وزميلاتي بجلب الفئران والصراصير للفصل وإطلاق الروائح الكريهة لتهرب المدرسة من الحصة! بينما يتسلى البعض الآخر بقزقزة اللب والأكل أو المحادثة في الجوال أو تصوير المدرسات وهن يشرحن أو النوم حتى نهاية الحصة، وتضيف الطالبة بأنها معجبة جدا بالفيلم الأمريكي danger mind التي استطاعت بطلته ميشيل فيفر تغيير مجموعة من الطلبة المشاغبين الفاشلين إلى ناجحين بفضل أسلوبها المبدع والمحبب في الدراسة عن طريق فهمها وقربها من نفسية الطلاب.
وتعتبر الأسرة من المصادر الرئيسية لظاهرة العنف إذا كان يسودها سلوك العنف والفوضى والعادات السيئة الأخرى سواء بين الأبوين أو بينهما وبين أبنائهما، بالإضافة إلى عدم وعي الأسرة بأهمية عملية التربية والتعليم.
وتعزو مديرة مدارس خاصة مشاكل الطلاب في المدرسة الى الأهل، تقول: ألاحظ دوما في أي مشكلة تواجهني مع الطلاب أن الأهل يقفون مع أبنائهم بغض النظر عن أخطائهم وتجاوزاتهم باعتباره تعليما مدفوع الأجر مما يؤدي إلى ضعف مكانة المعلم والمدرسة أمام الطلاب. ويعيد الدكتور عزت عبد العظيم استشاري الأمراض النفسية بمستشفى الحمادي بالرياض أسباب العنف للمدرس أو ربما الطالب أو كليهما معا، ويعلل: ربما يكون ضعف قدرة الطالب على التحصيل الدراسي يجعله يعرض عن الدراسة ويميل لتكوين الشلل والعصابات مع أمثاله من الطلبة والتي تثير الشغب في الفصل وتستفز المدرس لتصرف الأنظار عن حالة التأخر الدراسي.
ويجمل عزت الحلول للقضاء على العنف المدرسي أو حتى الحد منه في تضافر جهود الدولة والمدرسة والأسرة التي يجب أن تؤدي دورها، كما ان وسائل الإعلام سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة وكذلك رجال الدين والمجتمع لهم دور فاعل. وطالب الدكتور عزت بعمل برامج متكاملة وفعالة لبحث الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة، فالأسرة يجب أن توجد بفاعلية في تربية الأبناء وتوجيههم التوجيهات السليمة وكذلك دور المؤسسات التربوية التي تشرف على المدرسين مع وجود أخصائيين اجتماعيين ونفسيين داخل كل مدرسة لاكتشاف وتصحيح أي خلل سلوكي ليس فقط عند الطلبة، بل عند المدرسين أو القائمين.